فصل: ذكر ما فعله إبراهيم بن موسى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر ما فعله إبراهيم بن موسى:

وفي هذه السنة وجه إبراهيم بن موسى بن جعفر من اليمن رجلاً من ولد عقيل بن أبي طالب في جند ليحج بالناس، فسار العقيلي حتى أتى بستان ابن عامر، فبلغه أن أبا إسحاق المعتصم قد حج في جماعة من القواد، فيهم حمدويه بن علي بن عيسى بن ماهان، وقد استعمله الحسن بن سهل على اليمن، فعلم العقيلي أنه لا يقوى بهم، فأقام ببستان ابن عامر، فاجتاز قافلة من الحاج، ومعهم كسوة الكعبة وطيبهأن فأخذ أموال التجار، وكسوة الكعبة وطيبهأن وقدم الحجاج مكة عراة منهوبين.
فاستشار المعتصم أصحابه، فقال الجلودي: أنا أكفيك ذلك، فانتخب مائة رجل، وسار بهم إلى العقيلي، فصبحهم، فقاتلهم، فانهزموأن واسر أكثرهم، وأخذ كسوة الكعبة، وأموال التجار، إلا ما كان مع من هرب قبل ذلك، فرده وأخذ الأسرى، فضرب كل واحد منهم عشرة أسواط، وأطلقهم، فرجعوا إلى اليمن يستطعمون الناس، فهلك أكثرهم في الطريق.

.ذكر مسير هرثمة إلى المأمون وقتله:

لما فرغ هرثمة من أبي السرايا رجع فلم يأت الحسن بن سهل، وكان بالمدائن، بل سار على عقرقوف حتى أتى البردان، والنهروان، وأتى خراسان، فأتته كتب المأمون في غير موضع أن يأتي إلى الشام والحجاز، فأبى، وقال: لا أرجع حتى ألقى أمير المؤمنين، إدلالاً منه عليه، ولما يعرف من نصيحته له ولآبائه، وأراد أن يعرف المأمون ما يدبر عليه الفضل ابن سهل، وما يكتم عنه من الأخبار، وأنه لا يدعه حتى يرده إلى بغداد ليتوسط سلطانه.
فعلم الفضل بذلك، فقال للمأمون: إن هرثمة قد أثقل عليك البلاد والعباد، ودس أبا السرايأن وهومن جنده، ولوأراد لم يفعل ذلك، وقد كتب إليه أمير المؤمنين عدة كتب ليرجع إلى الشام والحجاز، فلم يفعل وقد جاء مشاقاً يظهر القول الشديد فإن أطلق هذا كان مفسدة لغيره.
فتغير قلب المأمون، وأبطأ هرثمة إلى ذي القعدة، فلما بلغ مروخشي أن يكتم قدومه عن المأمون، فأمر بالطبول فضربت لكي يسمعها المأمون، فسمعها فقال: ما هذا؟ قالوا: هرثمة قد أقبل يرعد ويبرق، فظن هرثمة أن قوله المقبول، فأمر المأمون بإدخاله، فلما دخل عليه قال له المأمون: مالأت أهل الكوفة العلويين، ووضعت أبا السرايأن ولوشئت أن تأخذهم جميعاً لفعلت.
فذهب هرثمة يتكلم ويعتذر، فلم يقبل منه، فأمر به فديس بطنه، وضرب أنفه، وسحب من بين يديه، وقد أمر الفضل الأعوان بالتشديد عليه، فحبس فمكث في الحبس أياماً ثم دس إليه من قتله، وقالوا مات.

.ذكر وثوب الحربية ببغداد:

وفيها كان الشغب ببغداد بين الحربية والحسن بن سهل، وكان سبب ذلك أن الحسن بن سهل كان بالمدائن حين شخص هرثمة إلى المأمون، فلما اتصل ببغداد، وسمع ما صنعه المأمون بهرثمة، بعث الحسن بن سهل إلى علي بن هشام، وهووالي بغداد من قبله، أن ماطل الجند من الحربية أرزاقهم ولا تعطهم.
وكانت الحربية قبل ذلك حين خرج هرثمة إلى خراسان قد وثبوأن وقالوا: لا نرضى حتى نطرد الحسن وعماله عن بغداد، فطردوهم، وصيروا إسحاق بن موسى الهادي خليفة المأمون ببغداد، واجتمع أهل الجانبين على ذلك ورضوا به.
فدس الحسن إليهم، وكاتب قوادهم حتى يبعثوا من جانب عسكر المهدي، فحول الحربية إسحاق إليهم، وأنزلوه على دجيل، وجاء زهير بن المسيب، فنزل في عسكر المهدي، وبعث الحسن علي بن هشام في الجانب الآخر هوومحمد بن أبي خالد، ودخلوا بغداد ليلاً في شعبان، وقاتل الحربية ثلاثة أيام على قنطرة الصراة، ثم وعدهم رزق ستة اشهر، إذا أدركت الغلة، فسألوه تعجيل خمسين درهماً لكل رجل منهم ينفقونها في رمضان، فأجابهم إلى ذلك.
وجعل يعطيهم فلم يتم العطاء حتى أتاهم خبر زيد بن موسى من البصرة، المعروف بزيد النار، وكان هرب من الحبس، وكان عند علي بن سعيد، فخرج بناحية الأنبار هووأخوأبي السرايا في ذي القعدة سنة مائتين، فبعثوا إليه فأتي به إلى علي بن هشام، وهرب علي بن شهام بعد جمعة من الحربية، ونزل بصرصر لأنه لن يف لهم بإعطاء الخمسين إلى أن جاء الأضحى، وبلغهم خبر هرثمة وأخرجوه.
وكان القيم بأمر هرثمة محمد بن أبي خالد لأن علي بن هشام كان يستخف به، فغضب من ذلك، وتحول إلى الرحبية، فلم يقربهم علي، فهرب إلى صرصر، ثم هزموه من صرصر.
وقيل كان السبب في شغب الأبناء أن الحسن بن سهل جلد عبد الله بن علي بن ماهان الحد، فغضب الأبناء، وخرجوا.

.ذكر الفتنة بالموصل:

وفيها وقعت الفتنة بالموصل بين بني سامة وبني ثعلبة، فاستجارت ثعلبة بمحمد بن الحسين الهمداني، وهوأخوعلي بن الحسين، أمير البلد، فأمرهم بالخروج إلى البرية، ففعلوأن فتبعهم بنوسامة في ألف رجل إلى العوجاء، وحصروهم فيهأن فبلغ الخبر علياً ومحمداً ابني الحسين، فأرسلا الرجال إليهم، واقتتلوا قتالاً شديدأن فقتل من بني سامة جماعة، وأسر جماعة منهم، ومن بني تغلب، وكانوا معهم فحبسوا في البلد.
ثم إن أحمد بن عمروبن الخطاب العدوي التغلبي أتى محمدأن وطلب إليه المسالمة، فأجابه إلى ذلك، وصلح الأمر، وسكنت الفتنة.

.ذكر الغزاة إلى الفرنج:

وفي هذه السنة جهز الحكم أمير الأندلس جيشاً مع عبد الكريم بن مغيث إلى بلاد الفرنج بالأندلس، فسار بالعساكر حتى دخل بأرضهم، وتوسط بلادهم، فخربهأن ونهبها وهدم عدة من حصونهأن كلما أهلك موضعاً وصل إلى غيره، فاستنفد خزائن ملوكهم.
فلما رأى ملكهم فعل المسلمين ببلادهم كاتب ملوك جميع تلك النواحي مستنصراً بهم، فاجتمعت إليه النصرانية من كل أوب، فأقبل في جموع عظيمة بإزاء عسكر المسلمين، بينهم نهر، فاقتتلوا قتالاً شديداً عدة أيام، المسلمون يريدون يعبرون النهر، وهم يمنعون المسلمين من ذلك.
فلما رأى المسلمون ذلك تأخروا عن النهر، فعبر المشركون إليهم، فاقتتلوا أعظم قتال، فانهزم المشركون إلى النهر، فأخذهم السيف والأسر، فمن عبر النهر سلم، وأسر جماعة من كنودهم وملوكهم وقماصتهم، وعاد الفرنج ولزموا جانب النهر، يمنعون المسلمين من جوازه، فبقوا كذلك ثلاثة عشر يومأن يقتتلون كل يوم، فجاءت الأمطار، وزاد النهر، وتعذر جوازه، فقفل عبد الكريم عنهم سابع ذي الحجة.

.ذكر خروج البربر بناحية مورور:

وفي هذه السنة خرج خارجي من البربر بناحية مورور، من الأندلس، ومعه جماعة، فوصل كتاب العامل إلى الحكم بخبره، فأخفى الحكم خبره، واستدعى من ساعته قائداً من قواده، فأخبره بذلك سرأن وقال له: سر من ساعتك إلى هذا الخارجي فأتني برأسه، وإلا فرأسك عوضه، وأنا قاعد مكاني هذا إلى أن تعود.
فسار القائد إلى الخارجي، فلما قاربه سأله عنه، فأخبر عنه باحتياط كثير، واحتراز شديد، ثم ذكر قول الحكم: إن قتلته، وإلا فرأسك عوضه، فحمل نفسه على سبيل المخاطرة فأعمل الحيلة، حتى دخل عليه، وقتله، وأحضر رأسه عند الحكم، فرآه بمكانه ذلك لم يتغير منه، وكانت غيبته أربعة أيام.
فلما رأى أحسن إلى ذلك القائد، ووصله وأعلى محله.
مورور بفتح الميم وسكون الواووضم الراء وسكون الواوالثانية وآخره راء ثانية.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة وجه المأمون رجاء بن أبي الضحاك علي بن موسى بن جعفر بن محمد، وأحصي في هذه السنة ولد العباس فبلغوا ثلاثة وثلاثين ألفاً ما بين ذكر وأنثى، وفي هذه السنة قتلت الروم ملكها أليون وكان ملكه سبع سنين وستة أشهر وملكوا عليهم ميخائيل بن جورجيش ثانية، وفيها خالف علي بن أبي سعيد على الحسن بن سهل فبعث المأمون إليه بسراج الخادم وقال له: إن وضع يده في يد الحسن بن سهل أوشخص إلي بمرووإلا فاضرب عنقه، فسار إليه سراج فأطاع وتوجه إلى المأمون بمرومع هرثمة، وفيها قتل المأمون يحيى بن عامر بن إسماعيل لأنه قال له يا أمير الكافرين، وحج بالناس هذه السنة المعتصم، وفيها توفي القاضي أبوالبختري وهب بن وهب، ومعروف الكرخي الزاهد، وصفوان بن عيسى الفقيه، والمعافى بن داود الموصلي وكان فاضلاً عابداً.

.حوادث سنة إحدى ومائتين:

.ذكر ولاية منصور بن المهدي ببغداد:

وفي هذه السنة أراد أهل بغداد أن يبايعوا المنصور بن المهدي بالخلافة، فامتنع عن ذلك، فأرادوه على الإمرة عليهم، على أن يدعوللمأمون بالخلافة، فأجابهم إليه.
وكان سبب ذلك ما ذكرناه قبل من إخراج أهل بغداد علي بن هشام من بغداد. فلما اتصل إخراجه من بغداد بالحسن بن سهل سار من المدائن إلى واسط تبعه محمد ابن أبي خالد بن الهندوان، مخالفاً له، وقد تولى القيام بأمر الناس، وولى سعيد بن الحسن بن قحطبة الجانب الغربي، ونصر بن حمزة بن مالك الجانب الشرقي.
وكان ببغداد منصور بن المهدي، والفضل بن الربيع، وخزيمة بن خازم؛ وقدم عيسى بن محمد بن أبي خالد من أرقة من عند طاهر، في هذه الأيام، فوافق أباه على قتال الحسن بن سهل، فمضيا ومن معهما إلى قرية أبي قريش قريب واسط، ولقيهما في طريقهما عساكر الحسن، في غير موضع، فهزماهم.
ولما انتهى محمد إلى دير العاقول أقام به ثلاثأن وزهير بن المسيب مقيم بإسكاف بني الجنيد، عاملاً للحسن على جوخي، وهويكاتب قواد بغداد، فركب إليه محمد، وأخذه أسيرأن وأخذ كل ماله، وسيره أسيراً إلى بغداد، وحبسه عند أبيه جعفر.
ثم تقدم محمد إلى واسط، ووجه محمد ابنه هارون من دير العاقول إلى النيل، وبها نائب للحسن، فهزمه هارون، وتبعه إلى الكوفة.
ثم سار المنهزمون من الكوفة إلى الحسن بواسط، ورجع هارون إلى أبيه وقد استولى على النيل، وسار محمد وهارون نحوواسط، فسار الحسن عنهأن ونزل خلفها.
وكان الفضل بن الربيع مختفياً كما تقدم إلى الآن، فلما رأى أن محمداً قد بلغ واسطاً طلب منه الأمان فأمنه، وظهر، وسار محمد إلى الحسن على تعبئة فوجه إليه الحسن قواده وجنده، فاقتتلوا قتالاً شديدأن فانهزم أصحاب محمد بعد العصر، وثبت محمد حتى جرح جراحات شديدة، وانهزموا هزيمة قبيحة، وقتل منهم خلق كثير، وغمنوا مالهم، وذلك لسبع بقين من شهر ربيع الأول.
ونزل محمد بفم الصلح، وأتاهم الحسن، فاقتتلوأن فلما جنهم الليل رحل محمد وأصحابه، فنزلوا المنازل، فأتاهم الحسن، فاقتتلوأن فلما جنهم الليل ارتحلوأن حتى أتوا جبل، فأقاموا بهأن ووجه محمد ابنه عيسى إلى عرنايا، فأقام بهأن محمد بجرجرايأن فاشتدت جراحات محمد فحمله ابنه أبوزنبيل إلى بغداد، وخلف عسكره لست خون من ربيع الآخر، ومات محمد بن أبي خالد في داره سراً.
وأتى أبوزنبيل خزيمة بن خازم، فأعلمه حال أبيه، وأعلم خزيمة ذلك الناس، وقرأ عليهم كتاب عيسى بن محمد إليه، يبذل فيه القيام بأمر الحرب مقام أبيه، فرضوا به، وصار مكان أبيه؛ وقتل أبوزنبيل زهير بن المسيب من ليلته، ذبحه ذبحأن وعلق رأسه في عسكر أبيه.
وبلغ الحسن بن سهل موت محمد، فسار إلى المبارك، فأقام به، وبعث في جمادى الآخرة جيشاً له، فالتقوا بأبي زنبيل بفم الصراط، فهزموه، وانحاز إلى أخيه هارون بالنيل، فتقدم جيش الحسن إليهم، فلقوهم، فاقتتلوا ساعة، وانهزم هارون وأصحابه، فأتوا المدائن، ونهب أصحاب الحسن النيل، ثلاثة أيام، وما حولها من القرى.
وكان بنوهاشم والقواد، حين مات محمد بن أبي خالد، قالوا: نصير بعضنا خليفةً ونخلع المأمون؛ فأتاهم خبر هارون وهزيمته، فجدوا في ذلك، وأرادوا منصور بن المهدي على الخلافة فأبى، فجعلوه خليفة للمأمون ببغداد والعراق، وقالوا: لا نرضى بالمجوسي بن المجوسي الحسن بن سهل.
وقيل إن عيسى لما ساعده أهل بغداد على حرب السحن بن سهل علم الحسن أنه لا طاقة له به، فبهث إليه، وبذل المصاهرة ومائة ألف دينار، والأمان له ولأهل بيته، ولأهل بغداد، وولاية أي النواحي احب، فطلب كتاب المأمون بخطه، وكتب عيسى إلى أهل بغداد: إني مشغول بالحرب عن جباية الخراج، فولوا رجلاً من بني هاشم، فولوا منصور بن المهدي، وقال: أنا خليفة أمير المؤمنين المأمون حتى يقدم، أويولي من أحب، فرضي به الناس.
وعسكر منصور بكلواذي، بعث غسان بن عباد بن أبي الفرج إلى ناحية الكوفة، فنزل بقصر ابن هبيرة، فلم يشعر غسان إلا وقد أحاط به حميد الطوسي، فأخذه أسيرأن وقتل من أصحابه، وذلك لأربع خلون من رجب.
وسير منصور بن المهدي محمد بن يقطين في عسكر إلى حميد، فسار حتى أتى كوثى، فلم يشعر بشيء حتى هجم عليه حميد، وكان بالنيل، فقاتله قتالاً شديداً وانهزم ابن يقطين، وقتل من أصحابه، وأسر، وغرق بشر كثير، ونهب حميد ما حول كوثى من القرى، ورجع حميد إلى النيل، وابن يقطين أقام بنهر صرصر؛ وأحصى عيسى بن محمد بن أبي خالد من في عسكره، وكانوا مائة ألف وخمسة وعشرين ألفاً بين فارس وراجل، فأعطى الفارس أربعين درهماً والراجل عشرين درهماً.

.ذكر أمر المتطوعة بالمعروف:

وفي هذه السنة تجردت المتطوعة للأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
وكان سبب ذلك أن فساق بغداد والشطار آذوا الناس أذىً شديدأن وأظهروا الفسق، وقطعوا الطريق، وأخذوا النساء والصبيان علانيةً، وكانوا يأخذون ولد الرجل وأهله، فلا يقدر أن يمتنع منهم، وكانوا يطلبون من الرجل أن يقرضهم، أويصلهم، فلا يقدر على الامتناع، وكانوا ينهبون القرى لا سلطان يمنعهم، ولا يقدر عليهم، لأنه كان يغريهم، وهم بطانته، وكانوا يمسكون المجتازين في الطريق، ولا يعدي عليهم أحد، وكان الناس معهم في بلاء عظيم.
وآخر أمرهم أنهم خرجوا إلى قطربل، وانتهبوها علانية، وأخذوا العين والمتاع والدواب، فباعوها ببغداد ظاهرأن واستعدى أهلها السلطان، فلم يعدهم، وكان ذلك آخر شعبان.
فلما رأى الناس ذلك قام صلحاء كل ربض ودرب، ومسى بعضهم إلى بعض، وقالوا: إمنا في الدرب الفاسق والفاسقان إلى العشرة، وأنتم أكثر منهم، فلواجتمعتم لقمعتم هؤلاء الفساق، ولعجزوا عن الذي يفعلونه؛ فقام رجل يقال له خالد الدريوش، فدعا جيرانه وأهل محلته، على أن يعاونوه على الأمر المعروف والنهي عن المنكر، فأجابوه إلى ذلك، فشد على من يليه من الفساق والشطار، فمنعهم، وامتنعوا عليه، وأرادوا قتاله، فقاتلهم، فهزمهم وضرب من أخذه من الفساق، وحبسهم، ورفعهم إلى السلطان إلا أنه كان لا يرى أن يغير على السلطان شيئاً.
ثم قام بعده رجل من الحربية يقال له سهل بن سلامة الأنصاري من أهل خراسان، ويكنى أبا حاتم، فدعا الناس إلى الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والعمل بالكتاب والسنة، وعلق مصحفاً في عنقه، وأمر أهل محلته ونهاهم، فقبلوا منه، ودعا الناس جميعاً الشريف والوضيع من بني هاشم وغيرهم، فأتاهم خلق عظيم فبايعوه على ذلك، وعلى القتال معه لمن خالفه، وطاف ببغداد وأسواقها؛ وكان قيام سهل لأربع خلون من رمضان وقيام الدريوش قبله بيومين أوثلاثة.
وبلغ خبر قيامهم إلى منصور بن المهي وعيسى بن محمد بن أبي خالد، فكسرهما ذلك، لأن أكثر أصحابهما كان الشطار ومن لا خير فيه؛ ودخل منصور بغداد، وكان عيسى يكاتب الحسن بن سهل في الأمان، فأجابه الحسن إلى الأمان ولأهل بغداد، وأن يعطي جنده وأهل بغداد رزق ستة أشهر إذا أدركت الغلة، ورحل عيسى، فدخل بغداد لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال وتفرقت العساكر، فرضي أهل بغداد بما صالح عليه، وبقي سهل على ما كان عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

.ذكر البيعة لعلي بن موسى عليه السلام بولاية العهد:

في هذه السنة جعل المأمون علي بن موسى الرضي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عليه السلام، ولي عهد المسلمين والخليفة من بعده، ولقبه الرضي من آل محمد، صلى الله عليه وسلم، وأمر جنده بطرح السواد ولبس الثياب الخضر، وكتب بذلك إلى الآفاق، وكتب الحسن بن سهل إلى عيسى بن محمد بن أبي خالد بعد عوده إلى بغداد يعلمه أن المأمون قد جعل علي بم مسوى ولي عهده من بعده.
وذلك أنه نظر في بني العباس وبني علي، فلم يجد أحداً أفضل ولا أروع ولا أعلم منه، وأنه سماه الرضي من آل محمد، صلى الله عليه وسلم، وأمره بطرح السواد ولبس الخضرة، وذلك لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة إحدى ومائتين، وأمر عيسى بن محمداً أن يأمر من عنده من أصحابه، والجند، والقواد، وبني هاشم بالبيعة له، ولبس الخضرة، ويأخذ أهل بغداد جميعاً بذلك؛ الخلافة من ولد العباس، وإمنا هذا من الفضل بن سهل، فمكثوا كذلك أيامأن وتكلم بعضهم وقالوا: نولي بعضنأن ونخلع المأمون، فكان أشدهم فيه منصور وإبراهيم ابنا المهدي.

.ذكر الباعث على البيعة لإبراهيم بن المهدي:

وفي هذه السنة في ذي الحجة خاض الناس في البيعة لإبراهيم بن المهدي بالخلافة وخلع المأمون ببغداد.
وكان سبب ذلك ما ذكرناه من إنكار الناس لولاية الحسن بن سهل والبيعة لعلي بن موسى، فأظهر العباسيون ببغداد أنهم كانوا قد بايعوا لإبراهيم بن المهدي، لخمس بقين من ذي الحجة، ووضعوا يوم الجمعة رجلاً يقول: إنا نريد أن ندعوللمأمون، ومن بعده لإبراهيم، ووضعوا من يجيبه بأننا لا نرضى إلا أن تبايعوا لإبراهيم بن المهدي بالخلافة، ومن بعده لإسحاق بن موسى الهادي، وتخلعوا المأمون، ففعلوا ما أمروهم به، فلم يصل الناس جمعة، وتفرقوأن وكان ذلك لليلتين بقيتا من ذي الحجة من السنة.

.ذكر فتح جبال طبرستان والديلم:

في هذه السنة افتتح عبد الله بن خرداذبة والي طبرستان البلاذر، والشيزر، من بلاد الديلم، وافتتح جبال طبرستان، فأنزل شهريار بن شروين عنهأن وأشخص مازيار بن قارن إلى المأمون، واسر أبا ليلى ملك الديلم.

.ذكر ابتداء بابك الخرمي:

وفيها تحرك بابك الخرمي في الجاويدانية، أصحاب جاويدان بن سهل، صاحب البذ، وادعى أن روح جاويدان دخلت فيه، وأخذ في العيث والفساد، وتفسير جاويدان الدائم الباقي، ومعنى خرم فرج، وهي مقالات المجوس، والرجل منهم ينكح أمه، وأخته، وابنته، ولهذا يسمونه دين الفرج، ويعتقدون مذهب التناسخ، وأن الأرواح تنتقل من حيوان إلى غيره.

.ذكر ولاية زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب إفريقية:

وفي هذه السنة سادس في ذي الحجة توفي أبوالعباس عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب، أمير إفريقية، وكانت إمارته خمس سنين ونحوشهرين.
وكان سبب موته أنه حدد على كل فدان في عمله ثمانية عشر ديناراً كل سنة، فضاق الناس لذلك وشكا بعضهم إلى بعض، فتقدم إليه رجل من الصالحين، اسمه حفص بن عمر الجزري، مع رجال من الصالحين، فنهوه عن ذلك، ووعظوه، وخوفوه العذاب في الآخرة، وسوء الذكر في الدنيأن وزوال النعمة، فإن الله تعالى اسمه وجل ثناؤه {لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد بقوم فلا مرد له ومالهم من دونه من وال} الرعد: 11.
فلم يجبهم أبوالعباس عبد اله بن إبراهيم بن الأغلب أمير إفريقية المذكور إلى ما طلبوأن فخرجوا من عنده إلى القيروان، فقال لهم حفص: لوأننا نتوضأ للصلة ونصلي، ونسأل الله تعالى أن يخف عن الناس؟ ففعلوا ذلك، فما لبث إلا خمسة أيام حتى خرجت قرجة تحت أذنه، فلم ينشب أن مات منهأن وكان من أجمل زمانه، ولما مات ولي بعده أخوه زيادة الله بن إبراهيم، وبقي أميراً رخي البال وادعأن والدنيا عنده آمنة.
ثم جهز جيشاً في أسطول البحر، وكان مراكب كثيرة، إلى مدينة سردانية، وهي للروم، فعطب بعضهأن بعد أن غمنوا من الروم، وقتلوا كثيرأن فلما عاد من سلم منهم أحسن إليهم زيادة الله ووصلهم.
فلما كان سنة سبع ومائتين خرج عليه زياد بن سهل المعروف باب الصقلبية، وجمع جمعاً كثيرأن وحصر مدينة باجة، فسير إليه زياد الله العساكر، فأنالوه عنهأن وقتلوا من وافقه على المخالفة.
وفي سنة ثمان ومائتين نقل إلى زيادة الله أن منصور بن نصير الطنبذي يريد المخالفة عليه بتونس، وهويسعى في ذلك، ويكاتب الجند، فلما تحققه سير إليه قائداً اسمه محمد بن حمزة في ثلاث مائة فارس، وأمره أن يخفي خبره، ويجد السير إلى تونس، فلا يشعر به منصور حنى يأخذه فيحمله إليه.
فسار محمد ودخل تونس، فلم يجد منصوراً بهأن كان قد توجه إلى قصره بطنبذة، فأرسل إليه محمد قاضي تونس، ومعه أربعون شيخأن يقبحون له الخلاف، وينهونه عنه، ويأمرونه بالطاعة، فساروا إليه واجتمعوا به وذكروا له ذلك؛ فقال منصور: ما خالفت طاعة الأمير، وأنا سائر معكم إلى محمد، ومن معه إلى الأمير، ولكن أقيموا معي يومنا هذأن حتى نعمل له ولمن معه ضيافة.
فأقاموا عنده، وسير منصور لمحمد ولمن معه الإقامة الحسنة الكثيرة من الغمن والبقر وغير ذلك من أنواع ما يؤكل، فكتب إليه يقول: إنني صائر إليك مع القاضي والجماعة؛ فركن محمد إلى ذلك، وأمر بالغمن فذبحت، وأكل هوومن معه، وشربوا الخمر.
فلما أمسى منصور سجن القاضي ومن معه وسار مجداً فيمن عنده من أصحابه سراً إلى تونس فدخلوا دار الصناعة، وفيها محمداً وأصحابه، فأمر بالطبول فضربت، وكبر وهووأصحابه، فوثب محمد وأصحابه إلى سلاحهم، وقد عمل فيهم الشراب، وأحاط بهم منصور ومن معه، وأقبلت العامة من كل مكان، فرجوهم بالحجارة، واقتتلوا عامة الليل، فقتل من كان مع محمد، ولم يسلم منهم إلا من نجا إلى البحر فسبح حتى تخلص وذلك في صفر.
وأصبح منصور، فاجتمع عليه الجند وقالوا: نحن لا نثق بك، ولا نأمن أن يخليك زيادة الله، ويستميلك بدنياه، فتميل إليه، فإن أحببت أن نكون معك فاقتل أحداً من أهله ممن عندك، فأحضر إسماعيل بن سفيان بن سالم بن عقال، وهومن أهل زيادة الله، فكان هوالعامل على تونس، فلما حضر أمر بقتله.
فلما سمع زيادة الله الخبر سير جيشاً كثيفأن واستعمل عليهم غلبون، واسمه الأغلب بن عبد الله بن الأغلب، وهووزير زيادة الله، إلى منصور الطنبذي، فلما ودعهم زيادة الله تهددهم بالقتل إن انهزموا؛ فلما وصلوا إلى تونس خرج إليهم منصور، فقاتلهم، فانهزم جيش زيادة الله عاشر ربيع الأول، فقال القواد الذين فيه لغلبون: لا نأمن زيادة الله على أنفسنأن فإن أخذت لنا أماناً حضرنا عنده، وفارقوه واستولوا على عدة مدن، فأخذوهأن منها: باجة، والجزيرة، وصطفورة ومسر والأربس وغيرهأن فاضطربت إفريقية، واجتمع الجند كلهم إلى منصور؛ أطاعوه لسوء سيرة زيادة الله معهم.
فلما كثر جمع منصور سار إلى القيروان فحصرها في جمادى الأولى، وخندق على نفسه، وكان بينه وبين زيادة الله وقائع كثيرة؛ وعمر منصور سور القيروان فوالاه أهلهأن فبقي الحصار عليه أربعون يوماً.
ثم إن زيادة اله عبأ أصحابه، وجمعهم، وسار معهم الفارس والراجل، فكانوا خلقاً كثيرأن فلما رآهم منصور راعه ما رأى وهاله، ولم يكن يعرف ذلك من زيادة الله، لما كان فيه من الوهن، فزحف المنصور إليه بنفسه أيضأن فالتقوأن واقتلوا قتالاً شديدأن وانهزم منصور ومن معه، ومضوا هاربين، وقتل منهم خلق كثير، وذلك منتصف جمادى الآخرة، وأمر زيادة الله أن ينتقم من أهل القيروان بما جنوه من مساعدة منصور والقتال معه، بما تقدم أولاً من مساعدة عمران بن مجالد لما قاتل أباه إبراهيم بن الأغلب، فمنعه أهل العلم والدين، فكف عنهم، وخرب سور القيروان.
ولما نهزم منصور فارقه كثير من أصحابه الذين صاروا معه، منهم: عامر بن نافع، وعبد السلام بن المفرج، إلى البلاد التي تغلبوا عليها؛ ثم إن زيادة الله سير جيشأن سنة تسع ومائتين، وإلى مدينة سبيبة، واستعمل عليهم محمد بن عبد الله بن الأغلب، وكان بها جمع من الجند الذين صاروا مع منصور، عليهم عمر بن نافع، فالتقوا في العشرين من المحرم، واقتتلوأن فانهزم ابن الأغلب، وعاد هوومن معه إلى القيروان، فعظم الأمر على زيادة الله، وجمع الرجال، وبذل الأموال.
وكان عيال الجند الذين مع منصور بالقيروان، فلم يعرض لهم زيادة الله، فقال الجند لمنصور: الرأي أن تحتال في نقل العيال من القيروان لنأمن عليهم، فسار بهم منصور إلى القيروان، وحصر زيادة الله ستى عشر يومأن ولم يكن منهم قتال، وأخرج الجند نساءهم وأولادهم من القيروان، وانصرف منصور إلى تونس، ولم يبق بيد زيادة الله من إفريقية كلها إلا قابس، والساحل، ونفزاوة، وطرابلس، فإنهم تمسكوا بطاعته وأرسل الجند إلى زيادة الله: أن ارحل عنأن وخل إفريقية، ولك الأمان على نفسك، ومالك، ومن ضمه قصرك؛ فضاق به وغمه الأمر، فقال له سفيان بن سوادة: مكني من عسكرك لأختار منهم مائتي فارس وأسير بهم إلى نفزاوة، فقد بلغني أن عامر بن نافع يريد قصدهم، فإن ظفرت كان الذي تحب، وإن تكن الأخرى عملت برأيك، فأمره بذلك فأخذ مائتي فارس وسار إلى نفزاوة، فدعا برابرها إلى نصرته، فأجابوه، وسارعوا إليه، وأقبل عامر بن نافع في العسكر إليهم، فالتقوأن واقتتلوأن فانهزم عامر ومن معه، وكثر القتل فيهم، ورجع عامر إلى قسطيلية، فجبى أموالها ليلاً ونهاراً في ثلاثة أيام، وساروا عنهأن واستخلف عليها من يضبطهأن فهرب منها أيضاً خوفاً من أهلهأن فأرسل أهل قسطيلية إلى ابن سوادة، وسألوه أن يجيء إليهم، فسار إليهم، وملك قسطيلية وضبطها.
وقد قيل إن هذه الحوادث المذكورة سنة ثمان وتسع ومائتين إمنا كانت سنة تسع وعشر ومائتين.
طنبذة بضم الطاء المهملة وسكون النون وضم الباء الموحدة وبذال معجمة وآخره هاء وصطفورة بفتح الصاد وسكون الطاء وضم الفاء وسكون الواووآخره هاء، وسبيبة بفتح السين المهملة وكسر الباء الموحدة وسكون الياء تحتها نقطتان وفتح الباء الثانية الموحدة وآخره هاء، ونفزاوة بالنون والفاء الساكنة وفتح الزاي وبعد الألف واوثم هاء.